Wednesday, October 31, 2012

أشباح باولو وفرانشيسكا



 أشباح باولو وفرانشيسكا تظهر لدانتي وفرجيل , هو عنوان عمل فني ساحر وحسي بشكل راقي للفنان الفرنسي اري فيشر ( 1795 – 1858 )  يظهر مشهداً من واحدة من أشهر قصص الشاعر الإيطالي دانتي أليجيري ( الكوميديا الإلهية )

يجسد العمل عاشقين هم فرانشيسكا دي ريميني وباولو مالاتيستا وهم يحتضنان بعضهما البعض في الجحيم

لا يعني إسم باولوا وفرانشيسكا لمعظم الناس اي شيء اليوم ولكن في أواخر القرن التاسع عشر وخصوصا في فرنسا كانت مأساه هذين العاشقين بنفس شهرة مأساة روميو وجولييت ,

 قبل ان نحكي قصة هذين العاشقين أود ان اشير إلي أن هناك العديد من الفنانين الذين استلهموا قصتهما في اعمال فنية عديدة ولكنني اخترت هذا العمل بالذات لأنه يعبر عن قصة حبهما بصدق أكثر من اي عمل اخر , كيف ذلك ؟ فلنقرأ سوياً

قصة العاشقين مأخوذة عن قصة حقيقية أثرت كثيراً في دانتي في شبابه فقرر كتابتها في ملحمته , وتحكي  عن اسرتين جنحا الي السلام بعد فترة منافسة بينهما عن طريق المصاهرة اعتقدت فرانشيسكا الجميلة انها ستتزوج باولو ولكنها خدعت و تزوجت شقيقه القبيح المشوه عن طريق مؤامرة , تواصل الحب بين باولو وفرانشيسكا وفي يوم من الايام اخذا يقرأن معاً قصة حب فرنسية للتسلية والمتعة وعندما وصلا في قراءتهما الي القبلة بين ابطال القصة أخذهما الموقف , تبادلا النظرات , زاد نبضهما,  قبلا بعضهما ,  شاهدهم زوج فرانشيسكا وهم يقبلان بعضهم البعض وفي ثورة غضب أغمد سيفه في قلبها فنفذ إلي ظهر باولو في ضربة واحدة فماتا معاً


في أقصي يمين اللوحة نجد الشاعر دانتي مع صديقه فرجيل وهم ينظران بأسي إلي العاشقان اللذان يحتضنان بعضهما البعض وسط إعصار غير واضح لأول وهلة ولكنه يرمز للأهواء التي تتعذب في الجحيم ,  تباين إضاءات الأجساد العارية مع الخلفية الداكنة رائع ,

برع الفنان في تجسيد حركات جسد العاشقين فيتضح لنا تمسك فرانشيسكا بمحبوبها أكثر منه من خلال التفاف ذراعيها حول جسده بقوة , نلاحظ ايضاً حالة الندم علي وجه باولوا أكثر من خلال إشاحته بوجهه عنها وبكاؤه تماماً مثل احداث الانشودة  بعكس فرانشيسكا التي اعتزت بحبها ولم تتنصل منه من خلال ملامح وجهها الذي يبدو من خلاله الاصرار

مأساة باولو وفرانشيسكا مختلفة عن اي قصة حب عادية فهي تحكي عن حب صادق وندم علي الضعف الإنساني يدركة دانتي عندما يحاورها في الانشودة ولذلك لم تفرقهما الريح ولم تضربهما ببعض مثل بقية الأثمين ممن تقلبوا في الحب للمتعة واللذة مثل هيلانة او من باب السياسة مثل كليوباترا التي تنقلت من احضان يوليس قيصر مروراً بانطونيوس بل حملتهما الريح معاً علي الدوام ولم يفت الرسام اري التعبير عن ذلك بذكاء في لوحته , وقد اثار هذا الاختلاف في العذاب دانتي وكتب عنه في انشودة قصتهما بعطف وأسي حتي انه بكي وفقد الوعي في النهاية تأثراً بمصيرهم

لماذا حازت هذه القصة شهرة كبيرة عندما عبر عنها دانتي في ملحمته ؟ كانت الفترة المسماه بالقرون الوسطي وهي الفترة السابقة علي عصر النهضة والتي تلت إنهيار الإمبراطورية الرومانية وسيادة حكم المسيحية بواسطة البابوات  فترة مظلمة جداً في تاريخ الحضارة البشرية فيما يخص الفن , فبعد إنتصار المسيحية علي الوثنيات الأولي قامت بتحريم اي نشاط فكري أو فني يخدم الدنيا ولا يخدم الدين وجعلته متناقضاً مع الإيمان المسيحي وللأسف من أجل هذا انقرض الشعر والأدب والفكر لأكثر من ألف عام في أوروبا

ما علاقة هذا بدانتي ؟ بإختصار , بخلاف ما قدمه دانتي للأدب القومي الايطالي قدم دانتي الحب في صورة إنسانية ففرانشيسكا برغم الندم فهي جريئة وشجاعة فنراها تتكلم مع دانتي في الانشودة باسمها واسم عاشقها مفتخرة بما فعلت بالاضافة الي ذلك فان الجحيم التي ذهبوا اليه حجيم مخفف , فرانشيسكا في الانشودة شخصية نبيلة ,  رقيقة , وديعة , صادقة , ونادمة ايضاً وكان ذلك في هذا الوقت تحدياً لتقاليد القرون الوسطي الذي حصرت حبهما في الاثم والخطيئة

يعتبر دانتي من أوائل الشعراء الذين اشعلوا خيال المصورين بجميع اطيافهم , فلولا الكوميديا الإلهية ما كنا قد سمعنا عن قصة باولو وفرانشيسكا والتي ينظر اليها الان علي انها قصة عادية للغاية

ولكنها في ذلك الوقت كانت البداية لعصر جديد ,

عصر يمجد الحب فيصنع منه قصصاً واعمال فنية خالدة

المصادر :

- الكوميديا الإلهية – ترجمة حسن عثمان
- دانتي والكوميديا الإلهية – د مراد وهبة
- ثورة الفكر – د  لويس عوض
- شبكة الإنترنت

Wednesday, September 19, 2012

التاريخ السري لعطرجي الملكة ماري انطوانيت



لعشاق العطور الملكية والنادرة وعالم القصور الفخمة و كل ما يمت لزمن الماضي الجميل أقدم لهم اليوم قراءة وملخص لكتاب ممتع أسمه A Scented Palace   أو التاريخ السري لعطرجي الملكة ماري انطوانيت  لمؤلفته إليزابيث دو فيدو المدرسة بمدرسة فرساي للعطور


يدخل بنا الكتاب الي  عالم العطور الفرنسية من خلال  قصة العطرجي الخاص بالملكة وهو جان لوي فارغيون

تبدأ قصتنا بجان فارغون , عطرجي مغمور ,  يرحل إلي باريس سنة 1773 بعد قراءتة لمقال عن مجيء ماري انطوانيت النمساوية الي فرنسا وزواجها من لويس السادس عشر  , يحاول الإنضمام الي طاقم العمل في القصر عن طريق مدام دو باري عشيقة الملك لويس الخامس , يستغل جان ولعها الجنوني بالعطور وبالفعل يصبح عطرجي القصر

 يحكي لنا الكتاب ايضاً عن فقدان ماري لشعرها بعد ولادتها فتستعيد بجان حيث انه يقوم ايضا بتصميم مستحضرات التجميل ,  نعلم ايضا عن تفاصيل طقوس استحمامها , تميزه في عمله وافكاره الجديدة مثل اختراعة لتقنية جديدة  في التعطير تقوم علي وضع كيس ضخم معطر  بشكل معين في ملابس المرأة لتعطرها طوال اليوم     



أما عطر  Parfum de Trianon  الذي قام بتصميمه فله  قصة مثيرة

تبدأ القصة بدعوة ماري لجان لوي فارغيون لزيارتها في الصباح في قصر تريانون , يتم  تكليفه بعد ذلك بصنع عطر يلتقط روح قصر تريانون 

 
نافورة فونتانا بقصر تريانون الكبير بفرساي 
عطر يعبر عن روح المكان  أكثر من مجرد التعبير عن الازهار وحديقة القصر





وبالفعل يصنع لها جان عطر زهري , حساس , ومخادع , لا يعبر عن الازهار والغابات والهواء النقي في قصرها فقط ولكنه يعبر عن  حياتها ودورها  في قصر تريانون بفرساي كملكة حاكمة ومتوجة ,
  



 عطر يصور سحر اسلوب القصر القائم علي طراز الروكوكو الباريسي الفخم

ينتقل الكتاب بعد ذلك  لما  يدور داخل اروقة البلاط الملكي بدءاً من خدمة  جان وولاؤه للملكة لمدة 14 عاماً حتي عام 1789 وهو عام بداية قيام  الثورة الفرنسية حتي هروبها والامساك بها واعدامها ثم سجنه وتفاصيل محاكمته

اما  قصة الهروب والقبض عليها بعد قيام الثورة الفرنسية فتحكيه لنا  المؤرخة إليزابيث التي اكتشفت وصفة العطر , تقول اليزابيث ان  الملكة قبل الهرب إجتمعت بفارغون طالبة منه إعادة ملء قنينة العطر الخاص بها وبعد ذلك تستعد للهرب مع زوجها 

 

ترجح المؤلفة اليزابيث ان القبض علي العائلة الملكية اثناء هروبها كان بسبب العطر

نعم , عطر Parfum de Trianon



نعم هو , بسبب عطر الملكة القوي الذي كان يفوح من امتعتها التي كانت تحملها معها والذي لفت نظر خادم الفندق الذي كانت تنتقل فيه مما جعله يدرك انها ليست في رحلة قصيرة وان الامر اكبر من ذلك ,


هذه القصة رغم المبالغة فيها الا انها متداولة بشدة ولا اعرف حقيقة هل هذه القصة مكتوبة لاضفاء لمسة مثيرة للأحداث أم هي حقيقية فعلاً خصوصاً أن العطور القديمة بالذات كانت تمتاز بفوحان قوي للغاية بعكس موضة عطور هذه الأيام الخفيفة والتي بالكاد تستطيع شمها
  

بعد مرور قرنين من الزمان تكتشف المؤرخة إليزابيث دي فيدو  بالصدفة وصفة العطر  في ارشيف المحفوظات التاريخية الفرنسية من بين خمسمئة ورقة  تتكلم عن العطور , بعضها وصفات لفارغون والبعض الاخر طلبات حصرية للملكة , ومنها وصفات لأذواقها العطرية المفضلة  

ويبدأ العطرجي   Francis Kurkdjian في العمل علي إحياء عطر الملكة مرة أخري بمواد طبيعية مئة في المئة و بنفس التركيبة ودون اي يغير اي من نوتات العطر المذكورة في الوصفة , فقط أضاف نوتة بيرجموت في بداية مقدمة العطر ليخفف من حدة الرائحة , أحتاج الأمر منه إلي ثلاثون محاولة ليحقق تركيبة مقنعة لتماثل بالضبط العطر القديم  

النتيجة عطر مستخلص من السوسن  والورد واللافندر والبنفسج والبيرجموت وزهر البرتقال وخشب السيدار وخشب الصندل ومسك التونكا والعنبر

تم تغيير اسم العطر الي Sillage de la Reine., والإنتاج محدود جداً , ألف نسخة  في زجاجة عادية  سعة  25 مللي بسعر 350 يورو 

تم اصدار نسخة أخري  في زجاجة كرستالية فخمة  بسعر ممممممم  ثمانية الاف يورو ( يعادل ما يقرب من 64 الفاً من الجنيهات المصرية والكمية محدودة , 10 زجاجات , وتباع في مدينة فرساي فقط


فاز كتاب إليزابيث بجائزة من دار جيرلان الفرنسية العريقة للعطور ,


للمهتمين اكثر يمكنهم متابعة حوار مع الكاتبة اليزابيث عن فارغون ودوره في القصر  من خلال وثائقي يدعي يوميات فرساي من انتاج قناة بي بي سي البريطانية وهو متاح للتحميل علي الانترنت