Monday, June 16, 2008

أنا أحب الوثنيين

يحتل معبد السرابيوم مكانة خاصة داخل نفسى , ربما لا يعرفة الكثيرون , لهذا المعبد قصة درامية ممتعة بالنسبة لى , دعونى أعرضها لكم بمناسبة زيارتى للمعبد من خلال كتاب الوثنية والمسيحية لألكساندر كرافتشوك , لنعيد قراءة تاريخنا القديم وخصوصاً التاريخ الوثنى الذى ظلم كثيراً وتم تشوية بعض رموزة , التاريخ الوثنى الذى كان يملك رؤى خاصة للجمال والفن والسعادة , بالإضافة إلى رموزة من أمثال أرسطو , فيثاغورث , الإسكندر , هيباتيا والكثير من الذين أحتلوا حيزا كبيرا فى الفكر البشرى يمتد حتى يومنا هذا


يذكر أميان أحد المؤرخين هذة الكلمات عن هذا المعبد الرائع قائلاً :

يعلو معبد السرابيوم على غيرة , تعجز الكلمات عن الرقى إلى عظمتة , فية قاعات فسيحة مرتكزة على الأعمدة , وفية تماثيل تكاد أن تتنفس , ويزدان بعدد لا يحصى من التحف الرائعة مما يجعل العالم بأسرة لا يرى شيئاً جديراً بهذا القدر من الفخر , بعد الكابيتول , النصب الأزلى لروما المبجلة

يستطرد المؤلف قائلاً بعد ذلك :

ما الذى بقى من معبد سرابيس فى الإسكندرية ؟ ذلك المعبد الذى أثار الإعجاب فى الحقبة القديمة لأجيال وقرون منذ أيام الملوك البطالمة الأوائل وحتى أيام الدورة الأوليمبية الأخيرة فى عهد الإمبراطور ثيودوسيوس ؟

الجواب بسيط وحزين فى ان واحد , لا شىء , أو يكاد أن يكون لا شىء



أنا وسط أطلال المعبد

البداية

بنى هذا المعبد البطالمة فى الإسكندرية فى القرن الثالث قبل الميلاد , كان هذا المعبد مخصص لعبادة الإله سرابيس , أرتضى بطليموس الأول مؤسس أسرة البطالمة الحاكمة ان يصبح هذا الإلة موضوع عبادة مشتركة بين الهلنستيين والمصريين كرمز للوحدة الوطنية وكرباط دينى يربط بين الشعبين


أطلال وخرائب سويت بالأرض هى كل ما تبقى منة

السر فى رجال الدين

لمعرفة أبعاد القصة من بدايتها دعنا نعود إلى الماضى قليلاً , كانت الوثنية فى القرن الرابع الميلادى تموت كدين فى مقابل المسيحية الوليدة المنتصرة بثقافتها الجديدة , لم تكن الوثنية سيئة كنظام إجتماعى ودينى كما قد يتبادر إلى الذهن بفضل التشوية المتعمد للتاريخ من قبل رجال الدين دوماً

يستطرد الكاتب فى البداية متناولا الحياة اليومية والجسدية للوثنيين , النظافة , الاستحمام , الفن , المهرجانات , ويقارن بينهم وبين الأفكار المسيحية الجديدة بعد أن حلت مكان القديم


الجسد

شيئأ يبعث على الخجل , تابو ممنوع الكلام عنة , دنس , خطيئة حسب بعض الأفكار الكهنوتية للمسيحية , عورة , النظر إلية شهوة حسب المنظور الإسلامى , هذة الفكرة التى طالما أرقتنى شخصياً بخصوص جسم الإنسان والنظرة لة


كان الوثنيون يحتفون بالجسد الإنسانى لأقصى الحدود وتستطيع التأكد من ذلك من خلال الأعمال التصويرية و النحتية العارية الكثيرة التى تصور الجسد فى حالة من الكمال أيام الحضارة اليونانية والرومانية بالتحديد , لماذا تغيرت هذة النظرة لجسد الإنسان بصفة عامة ولجسد المرأة بصفة خاصة فى المسيحية قديماً وفى الإسلام حتى الان ؟



إحدى الأسباب المهمة هى المسيحية كنظام كهنوتى بسبب صراعها مع الوثنية ومحاولة فرض موقف مغاير للأفكار السائدة لدين يقضى نحبة وتلاها الإسلام للأسف بفعل ظرفة التاريخى فى بيئة صحراوية جافة لقبائل رعوية ومجتمع ذكورى

إذا أردت أن تفهم المزيد فلتقرأ معى هذة الفقرة :

السمة المميزة للعالم الجديد بشكل خاص تتمثل فى الموقف المغاير والمختلف كلية عن السابق من جسم الإنسان فمعتنقو الديانة الظافرة نادوا نظرياً ومارسوا عملية إحتقار كل ما يتعلق بالجسد مفترضين أنة فى جوهرة آثم وملوث وذو نزعة للشر


فلم الإبتهاج والسرور فى هذا الغلاف الفانى ولم الإعجاب ببنيتة وكفائتة وجمالة الذى يتم إبرازة فى الجمنازيوم , ومعاهد المصارعة والميادين العامة ؟



وياللفضيحة إذا كان لهذا الجسد اللعين أن يمارس طفراتة الخسيسة فى مباريات مكرسة لمجد لآلهة وثنية ليست سوى عفاريت خطرة وخدم للشيطان , البذرة المزروعة والمعتنى بها بمثابرة وعناد وبدون كلل من جيل إلى جيل وجب أن تثمر محصولها المضاعف مئة مرة



ذكرتنى هذة الفقرة المضحكة بأحد الشباب الذى كان يتمرن حولى ذات يوم فى صالة الجمانيزيوم , شاهدتة وقتها يشرح لزميلة أنة يجب علية الذهاب للجمانيزيوم لكى يقوى جسدة من أجل العبادة وأن يجعل هذا الهدف الأسمى نصب عينية فى المقام الاول ....

ويليها الأسباب الاخرى كما قال لة الصعلوك شيخ الميكروباصات محمد حسان قبل أن ييفتح الله علية ويصبح داعية فى التلفاز

الحمامات والوثنيون

أنتشرت الحمامات العامة قديماً فى الإمبراطورية الرومانية , كانت الحمامات هائلة , كانت صروحاً حضارية , تجد حسب وصف المؤلف امكنة السباحة فسيحة مملوئة بالمياة الباردة أو الدافئة وأماكن للجلوس على الرخام من حول النافورات , والإصغاء إلى خريرها العذب , ممارسة التمارين الرياضية واللعب بالكرة فى فاعات خاصة مليئة بالتماثيل مرصوفة بالرخام , كانت العاصمة مليئة بالكثير من الحمامات العامة شيدها الأباطرة وسموها بأسماؤهم , وقد يعاقب أيضا الإمبراطور الشعب بغلق الحمامات العامة لوقت ما عقاباً لهم على القلاقل والثورات التى تحدث بين حين واخر , وخصوصا بسبب عدم وجود حمام خاص لكل أسرة فى هذة الأزمان الغابرة , هذة هى الصورة العامة أما القادم فهو أسوأ كثيراً

الحمامات والمسيحيون

هذة الفقرة ستبدو مضحكة ومسلية جداً وسترى كيف أن إقحام الدين فى أشياء كثيرة لا حاجة لة بالكلام عنها أضر الدين كثيرا

يذكر المؤلف أن معتنقى الديانة الجديدة لم يتحاشوا الحمامات فى البداية وإنما أقتصروا على التحذير من المبالغة فى الإستحمام , يقول القس المبارك المبجل الفاضل كليمنس السكندرى الذى عاش فى القرن الثانى لأخوتة فى العقيدة :

أربعة هى الأسباب التى تؤم الحمام من أجلها , الاول لكى تغتسل والثانى لنتدفأ والثالث من أجل الصحة وأخيرا بهدف المتعة وهكذا ينبغى تجنب الإستحمام من أجل المتعة إذ يليق بنا الإبتعاد عن المتع المتعارضة مع الشعور بالخجل , يمكن للنساء أن يستحممن من أجل النظافة والصحة أما الرجال فليفعلوا هذا من أجل الصحة فقط وفيما يتعلق بالحمام الدافىء فهو غير ضرورى إطلاقاً إذ يمكن بعث الدفء فى الجسم البارد بوسائل أخرى أيضاً كما أن الإستحمام الدائم يؤثر سلباً على أعضاء الجسم ومقاومتها , وكأنة يخفض الكفائة الفيزيائية وغالباً يكون سبباً فى الدوار والإغماء

يؤكد المؤلف بعد ذلك أن هذة الأقاويل ليست من رهبان أو نساك معزولين فى الصحراء أو من الزاهدين إنما هم علماء لامعون متميزون بسعة الأفق والإطلاع والمواهب الأدبية أى انها ليست آراء شخص أو اثنين بل إتجاة عام لفئة تأخد حيزا ً كبيرا فى الوجود فى تلك الفترة

الحمامات والقديسون والأساقفة

أقرأ معى ما يقولة الاسقف هيرونم وهو شخصية مشهورة عاش فى فلسطين وعكف على تنقيح الكتاب المقدس ولة شهرة واسعة فى تلك الحقبة من العصور الوسطى

لا تعجبنى إطلاقاً إستحمامات الفتاة الراشدة , إذ يجب أن تخجل من نفسها وألا تتقبل رؤية عريها فإذا كانت تجعل جسمها يهزل بالسهر والصيام وترغب فى إطفاء الشهوة وجمر نار الشباب بجليد الزهد وتسعى لمسخ الجمال الفطرى بالأوساخ المتعمدة فلماذا إذن تعمل بفعل دوافع معاكسة تهيج اللهب الخامد بواسطة هذا الإضرام الذى يلعب الحمام دورة

أيصبح ملمس جسدك خشناً لأنك حرمتة من الحمام ؟ ولكن من اغتسل مرة بيسوع ليس مضطراً أن يغتسل مرة ثانية


زرادشت

لقد علمتنى ذاتى كبرياء جديداً سوف أعلمة للبشر

علمتنى ألا أدفن رأسى فى رمال الأشياء السماوية بعد الان وأن أرفعها فى حرية

وسوف أعلم البشر إرادة جديدة يريدون بها هذا الطريق

الذى مشى فية الإنسان من قبل كالأعمى

ويقرونة ولا يتراجعون عنة مثل المرضى والمنحلين الذين أحتقروا البدن والأرض

وأبتدعوا ملكوت السماوات وقطرات الدم لخلاص البشر


نعود إلى المعبد فقط كدت أنساة :

مدخل مكتبة الإسكندرية داخل المعبد

المكتبة الصغرى




قدس الأقداس , مقر الإلة سرابيس
مغلق بسبب الترميم


كن ملكاً علينا الان

يا سيد العالم الذى لا يقهر!

هنا كان يتم عبادة الإله سرابيس الذى حطمة الأسقف ثيوفيل فى الصراع الوثنى المسيحى الأخير , تمكن هذا الأسقف من دخول المعبد ووجد التمثال , يذكر المؤلف أن التمثال كان ضخماً للغاية وكان يثير الدهشة والرعب فى النفوس وكانت الاسطورة تذكر وقتها أنة إذا أقترب أى كائن من التمثال بنوايا شريرة فسوف ترتعد الارض ويتعرض كل شىء حولها للدمار , أمر هذا الاسقف مساعدية بأن يهوى بفأسة على التمثال ومع الضربة الأولى , أنطلقت صيحات الرعب من المحيطين لكن شيئاً لم يحدث , ولما أنفصل الرأس عن الجسم , خرجت منة مجموعة كبيرة من الفئران ثم تم تحطيم التمثال وأحرق , أما الرأس فقد تم جرة فى شوارع الإسكندرية ليتمكن جميع عبدة سرابيس من مشاهدة هذة الإهانة , ويتأكدوا من مدى ضعف هذا الإلة الذين آمنوا بقدراتة الخارقة

كان هذا التمثال أثمن الأعمال فى الإسكندرية بلغ عمرة 700 سنة لحظة تحطيمة وتلاة المعبد الذى تم تسويتة بالأرض كما ترى فى الصور السابقة

كل المتبقى هو عامود واحد فقط

يسمى عمود السوارى بنى على أنقاض هذا المعبد

يختم المؤلف هذة الفقرة بنبرة حزينة واصفا الصعيد الثقافى قديماً , وما تلاة من التحطيم المسعور , والصهر والحرق لكل ما يتعلق بالآلهة القديمة والذى حدث بشكل رئيسى فى الشرق حيث بلغ الفن أرفع مستوياتة بعد تطور المسيحية كقوة صاعدة معتبرة جميع هذة الأصنام ملعونة وهكذا أزيلت كل المظاهر التى يمكن أن ترمز إليها

يقول المؤلف فى نهاية هذا الفصــل

كلما يدرك الناس كم كانت مهلكة وبعيدة المدى نتائج هذا الشىء على طيف واسع من الإبداع الفنى فالشرق الأغريقى الذى كان رائد فن النحت عبر قرون طويلة عبر الحقبة القديمة بأسرها وقدم تحفاً خالدة بحق , الشرق الأغريقى أضحى ميتاً فاقد للروح من وجهة النظر هذة ولا يزال على هذا الحال حتى اليوم , أما فى الغرب فقد أتخذت هذة الأمور منحنى مختلفاً فهناك نادراً ما أتخذت الأمور صيغ مشاهد مسرحية كتحطيم تمثال سرابيس ولذلك لم تنشأ إذا صح القول أية عقدة للتحسس الزائد والأحكام المسبقة بالنسبة للفنون التشكيلية وسمح بمرور الزمن بوجودها وتكريمها بالكنائس مثلما اعتاد الناس منذ أمد بعيد وتحديداً منذ أيام السراديب على وجود مظلمات ولوحات جدارية فى أمكنة الصلاة

المهرجانات

المهرجات الأوليمبية إحدى روائع الإبداعات الوثنية ماتت للأسف أيضاً بموت الوثنية , عندما أصدرت المراسيم فى عصر ثيودوسيوس فى القرن الرابع بتحريم تقديم أضحيات أمام مذابح الالهة والقرابين وإحراق البخور ومعظم هذة الممارسات كان تتم كطقوس للمهرجانات , تم تحريم كل ذلك فى المعابد والمنازل وكل التقدمات الرمزية كالزهور والبخور, ثم تلى ذلك القرار الديكتاتورى بإلغاء الألعاب الأوليمبية بإعتبارها مهرجانات وثنية لا تليق بالإمبراطورية الرومانية , كان 393 هو التاريخ السنوى الأخير للمهرجانات والتى أعيد إحياؤها فى القرن العشرين حديثا فى الدول العلمانيةً بعد أن تخلص اجدادنا من إرث الماضى البغيض