Hartaka

يكتسب اي عمل فني قيمته من شيئين, أولاً قوة التعبير من خلال النسب والالوان وإحساس الفنان, ثانياً مدي ما يثيره من تساؤلات وأفكار وهذا العمل الذي يدعي : جابرييل ديستريس نجح في إثارة تلك التساؤلات لمن يشاهده لأول مرة أو علي الاقل بالنسبة لي

فهو يحمل الغموض والاثارة معاً وخصوصا من تلك الوضعية الغريبة الي تبدو عليها المرأتين

فما هي قصة هذه اللوحة؟

جابرييل ديستريس

(1573 – 1599)

لا أحد يعرف علي وجه الدقة من قام برسم هذه اللوحة ولكن اتفق مؤرخي الفن ان المرأة علي اليمين هي جابرييل ديستريس عشيقة الملك هنري الرابع الذي حكم فرنسا في أواخر القرن السادس عشر, كانت جابرييل من أشهر عشيقات هنري وأكثرها شهرة بسبب جمالها وكان ولائه لها لا يتزعزع. كان معروفًا أن لديه ما لا يقل عن 50 عشيقة مختلفة لكن حب هنري لغابرييل كان قويًا لدرجة أنها أقنعته بالتخلي عن مذهبة البروتستانتي وأن يصبح كاثوليكيًا بدلاً من ذلك.

أما المرأة علي اليسار فمعرفة شخصيتها قد تصيبك بالدهشة فهي أخت جابرييل وتدعي جوليان ديستريس

والسؤال الذي قد يتبادر إلي ذهنك, عند مشاهدة هذا المشهد الجريء المكون من أختين عاريتين بالغتين تستحمان معاً ويجلسن في حوض مبطن بالحرير, بشرتهم ناصعة البياض كاللؤلؤ , نظرات عينين ناعسة وموجهة ناحية المشاهد, انحناءات جسد ناعمة, والأهم من ذلك لماذا تقرص أختها حلمة ثديها الأيمن؟وما سر هذا الخاتم في يد جابرييل؟

نلاحظ ايضاً ان طريقة تصفيف الشعر وأقراط اللؤلؤ الخاصة بالامرأتين إلى أنهما امرأتان في مستوي ومكانة رفيعة ، مما يتناقض بشكل كبير مع عريهما.

لفهم أصل هذه اللوحة ينبغي العودة إلي عام 1571 لننظر معاً الي لوحة dame au bain للفنان Francois Clouet

وبعد مشاهدة تفاصيل اللوحة الثانية ستدرك ان اللوحة الثانية ألهمت الفنان المجهول ليقوم برسم لوحتة الغامضة فهناك تفاصيل كثيرة جدا

تتشارك فيها اللوحتين

فهناك إمرأة تستحم وهناك ايضا إمرأة ترضع طفلاً علي اليسار وفي اللوحة الأولي سنري بسهولة إمراة تقوم بارضاع طفل في خلفية الصورة

أما هوية المرأة التي تستحم في الصورة الثانية فهناك من يقول انها ملكة اسكتلندا او إحدي عشيقات الملك هنري الرابع وتدعي ديان دي بواتييه والتي كانت تمتلك قوة وتأثير هائلين على الملك مثلها مثل عشيقته الاولي

ونلاحظ ايضا وجود طفل وإمرأة في الخلفية تقوم بحمل دورق مياه لملء الحمام وكذلك ستارة حمراء في كلا اللوحتين

وهناك ايضا رداء ابيض يتدلي إلي أسفل من كلا الحمامين

وفي خلفية كلا اللوحتين نجد لوحة صغيرة ومائدة بلون اخضر ومدفأة,

عناصر كثير متشابهة من المستحيل ان تكون ولدت صدفة!

وهكذا يمكن بكل تأكيد ان نقول بأن هذا الرسام المجهول أخذ إلهامة من اللوحة الثانية

ولكن تبقي عدة أسلة أخري عن معني هذه اللوحة ؟

في نسختين اخريتين لنفس الرسام نجد نفس المرضعة الموجودة في اللوحة الثانية

وفي اللوحة الثانية نجد استارة الخلفية الحمراء وهي مسدلة علي المشهد وتقوم جوليان بإلباس أختها جابرييل خاتم في اصبعها

لنرجع قليلا إلي اللوحة الأولي وبالتحديد الي العام التي رسمت فيه

قدر مؤرخو الفن أن تاريخ رسم هذه اللوحة هو حوالي عام 1594 وهذا التاريخ كان يمثل اهمية بالغة لجابريل حيث انه يوافق ولادة أبنها الاول الغير شرعي من الملك هنري وهذه الحادثة تفسر الكثير

مشكلة هذه النوعية من اللوحات هي أن بعض الناس قد يأخذون المعايير الأخلاقية الحاضرة وينظرون إليها من خلال تلك العدسة

تعالوا معا نفسر عناصر اللوحة في ظل العثور علي معلومة حمل جابرييل

التي سوف تفسر كافية تفاصيلها

1. لماذا تستحم الأختين معًا؟" حسنًا

في باديء الأمر قد يظن البعض ان هناك علاقة مثلية بين المرأتين

ولكن الحقيقة هي أن في ذلك الوقت كان إعداد الماء الساخن للإستحمام صعبًا ، ويستغرق وقتًا. تذكر اننا هنا في عام

1571 لذلك كان الناس يستحمون معًا في بعض الأحيان ، وكان هذا يوفر كثيراً من الوقت

2. الخادمة التي تظهر في الخلفية تقوم بحياكة ملابس للطفل الذي سيأتي قريباً

3. الخاتم الذي تحمله جبرائيل يمكن أن يكون خاتم الزواج أو تعبيراً عن حبه لها

4. أما قرص حلمة جابرييل فيرمز ببساطة إلى ظهور حليب الأم والذي يشير الي كونها ستصبح أماً,

اعتقد أن أختها كانت تشدهم استعدادًا للرضاعة الطبيعية؟ وهي ممارسة شائعة مع توقع الحمل

تفاصيل علاقة الملك هنري بجابرييل تستحق أن تروي, أنجب منها هنري 3 أطفال واعترف بهم جميعاً نظرا لحبه الشديد لها رغم كره البلاط الملكي لها لدرجة انهم اطلقوا عليها إسم (دوقة القذارة)

أعطاها هنري خاتم التتويج قبل زواجهما رسمياً ومن فرحتها كانت تردد دائماً
"الله أو موت الملك يمكن أن يقضي على حظي السعيد" الا انها بعد ايام قليلة عانت من تسمم حملها الرابع وانجبت طفلاً ميتاً ثم ماتت وهو في طريقه ليطمئن عليها, حزن الملك عليها كثيرا وخصوصا بعد ترديد شائعات انها قد تكون ماتت مسمومة, قام هنري بعمل جنازة ملكية لها ولم ينساها ابداً

لوحة غابرييل دي إستريس وشقيقاتها للرسام المجهول اصبحت بعد وقت طويل من رسمها معروفة على نطاق واسع كحال اعمال فنية كثيرة وهي موجودة الان في متحف اللوفر بباريس

وقد حققت هذه الشهرة من لفتة بسيطة

ولكنها غريبة وصادمة